في قبضة الاقدار بقلم نورهان العشري
أبدا فهي منذ أن بدأت حالة شقيقتها بالإستقرار و هي تحاول البحث عن عمل في شبكه الإنترنت و لحسن حظها وجدت إحدي الشركات الكبيرة تعلن عن حاجتها لإحدي الوظائف التي لائمت مؤهلاتها كثيرا فلم تتردد و قامت بإرسال الملف الخاص بها و جاءها الرد قبل يومان
بموعد المقابله اليوم و كانت طوال الطريق تدعو الله أن يكون هذا العمل من نصيبها فهي لم تعتاد علي الجلوس هكذا دون فعل شئ و ايضا لن تنتظر حتي إنتهاء مدخراتها من النقود و لن تسمح لأحد بأن ينفق عليها أبدا .
أنت بتعمل إيه هنا
نالت سخريته من ثباتها الواهي حين قال بتهكم
تقريبا أنا إلي مفروض أسألك السؤال دا
أعادت نبرته الساخرة صوتها الضائع و أيقظت شيئا من روح القتال بداخلها لذا أجابته بكل هدوء
بما إنك هنا و قاعد علي الكرسي دا تحديدا يبقي عارف أنا جايه أعمل إيه هنا !
و مقولتليش ليه إنك عايزة تشتغلي
فرح بهدوء مستفز
و أقولك ليه
كانت أنثي متمردة تثير غضبه النفيس . تتنافس معه في أعظم صفاته و هو الهدوء. تغتال ثباته بضراوة و تقف أمامه كند لا يستهان به تجعل عقله يعمل بكل دقيقه في كيفيه إختراقها تحاربه خلف تلك الحواجز الزجاجية لنظارتها الطبيه التي يكاد يقسم بأنها لا تحتاجها فتحجب عنه لذة التوغل إلي غاباتها الزيتونيه و كشف ما تجيد إخفاؤه عنه و كان هذا أكثر ما يثير غضبه و لكنه كعادته تحدث بهدوء و نبرة كانت قويه محمله بتقريع خفي لم تخطئ في فهمه
إهتزت حدقتيها لثوان فقد أخترقت الكلمه أعماقها محدثه عاصفه هوجاء بداخلها لم تستطيع للحظات السيطرة عليها و تسارعت أنفاسها و لكنها بصعوبه إستطاعت التحكم بملامحها لتظل علي ثباتها قبل أن تقول مشدده علي كلماتها
بس أنا مش مسئوله من حد !
أجابها مصححا و كأنه ينفي تلك التهمه عن ذاته
لا تعلم لما أغضبها تصحيحه لتلك الهفوة التي ظنت أنها خرجت من بين شفتيه دون حساب و لكنها تابعت بإستماته في الوقوف أمامه و مجابهته و الدفاع عن إستقلاليتها
إني أكون عايشه تحت بيتك دا مش معناه إنك تصرف عليا !
أخذ يناظرها بغموض دام لثوان و سرعان ما خرج صوته هادئا و هو يقول
أنتقلت نظراته إلي الأوراق أمامه قبل أن ترتفع عيناه التي تحولت بطريقه جذريه و ملامحه التي أصبحت صارمه حين قال بفظاظه
خلينا نشوف إذا كنتي مؤهله للشغل هنا و لا لا
لوهله لم تفهم حديثه الذي كان يقصد به بدايه المقابله حيث فاجأها بعدها بأن شرع يختبرها و قد تحولت هيئته و أصبح رجل مختلف تماما عما عهدته و تفاجأت من أسلوبه و مدي مهنيته حين كان يلقي بأسئلته التي أجابت علي معظمها بإمتياز و دام الوضع بينهم لمدة تتراوح بين ربع إلي نصف ساعه حتي أنتهت تلك المقابله الأصعب في حياتها لاهثه و هي تحاول مضاهاته و إجابته بطريقه نموذجيه لتتفاجئ به يغلق ملفها و يناولها إياه و على وجهه ترتسم تعبيرات أسف زائفة حين قال
برقت عيناها من شدة الصدمه فإجابته تلك لم تكن في حدود توقعاتها أبدا فهي أجابته علي جميع الاسئله تقريبا و إن كان يحاول تعجيزها بين الفينة و الآخري و لكنها متأكدة من انها مؤهله و بقوة للعمل بتلك الشركه فهي تضاهي الشركه التي تعمل بها بالقاهرة من حيث قوة أستثماراتها الداخليه و الخارجية و لكنها وصلت إلي حقيقه ثابته أنه لا يريدها هنا و هذا ليس له علاقه بأي مؤهلات كما أخبرها لذا بمنتهي الهدوء الذي يتنافي مع ڠضبها و ألمها الداخلي مدت يدها تأخذ منه ملفها و هي تقول ساخرة
تمام . بس بلاش كلمه أنترناشيونال دي عشان مش لايقه مع سوء الإدارة إللي هنا .
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بغموض قبل أن يقول بخشونه
سوء الإدارة ! دي كلمه كبيرة أوي يا آنسه!
تجلي ڠضبها و ألمها في عيناها و لم تفلح في إخفائهم بل تضمنوا لهجتها حين قالت بجفاء
لما الإدارة تبقي ممشياها بالمزاج مش بالمؤهلات تبقي إدارة سيئه .. عن إذنك !
قالت جملتها الأخيرة و توجهت بشموخ نحو باب مكتبه فاستوقفتها كلمته التي تحمل وسام الإنتصار والسخرية معا
شرفتينا !
وصلت جنة إلي الملحق الخاص بهم فوجدت
فرح التي كانت تبحث عنها بوجه متجهم و عينان تعكسان ڠضبا مروعا قلما يظهر عليها فاقتربت منها جنه پخوف و ترقب تجلي في نبرتها و هي تقول
إيه يا فرح حصل حاجه و لا إيه
حاولت فرح إبتلاع جمرات ڠضبها من ذلك المتكبر المغرور المتغطرس و جاهدت في رسم إبتسامه هادئه علي ملامحها قبل أن تقول بهدوء
مفيش
يا حبيبتي! طمنيني أنتي كويسه
هزت رأسها و تابعت برجاء خفي في عيناها و هي تقول بإستفهام
متخبيش عليا يا فرح . حصل إيه و أنتي كنتي فين أصلا
فرح بمزاح
يا بت بطلي أفورة هخبي عليكي إيه . و بعدين تعالي هنا أنتي بتستجوبيني يا ست جنة
أبتسمت جنة قبل أن تقول بلهجه غلب عليها الحزن
لا طبعا . بس ڠصب عني بقيت خاېفه من كل حاجه !
مټخافيش من حاجه أبدا و أنا معاكي .
إرتفعت رأس جنه تطالعها بلهفه و هي تقول بتوسل يغلف نظراتها و نبرة صوتها
يعني خلاص سامحتيني يا فرح ! و مبقتيش زعلانه مني
حاولت فرح إنتقاء كلماتها حتي لا ټؤذي شقيقتها فقالت بلطف
إحنا مش قولنا مش هنتكلم في حاجه خالص دلوقتي و هنستني لحد ما تقومي بالسلامه !
همت جنة بالحديث و لكن أوقفها صوت زامور سيارة سالم التي توقفت أمام الباب الداخلي للقصر دون أن يلقي عليهم نظرة واحدة مما أدي إلي زيادة ڠضبها و للمرة التي لا تعرف عددها تمنت لو أنها لم تقابل ذلك الرجل أبدا !
توجهت الفتاتان إلي الباب الداخلي للقصر لحضور أول غذاء لهم مع تلك العائله فبعد ما حدث لجنة أمر سالم بأن تلتزم السرير عملا بتنبيهات الطبيب و أن تجلب لهم الطعام إحدي الخادمات في مواعيده .
ما أن أوشك الإثنان إلي الدلوف إلي داخل المنزل حتي ظهرت إحدي الخادمات التي قالت بإحترام
فرح هانم . سالم بيه مستني حضرتك في أوضه المكتب !
تفاجئت من حديث الخادمه و لكنها أوشكت علي الرفض فهي لن تترك جنة تواجه هؤلاء الناس عديمي الذوق وحدها و لكن جاء صوت جنة التي قالت لتطمأنها
روحي يا فرح شوفيه عايزك في إيه و أنا هدخل
فرح بصرامه
لا طبعا مش هينفع أسيبك تدخليلهم لوحدك . أبقي أشوفه عايز إيه بعدين !
حاولت جنة طمأنتها إذ قالت بهدوء
أكيد مش هياكلوني يا فرح ! و بعدين يا ستي و لا تزعلي نفسك أنا هستناكي هنا في الجنينه لحد ما تخلصي كدا كدا لسه معانا وقت قبل معاد الغذا
حاولت فرح الإعتراض فبادرتها جنة القول
خلاص بقي روحي أنا هشم شويه هوا علي ما تخلصي معاه .
أذعنت فرح لاقتراحها و ذهبت إلي حيث أشارت الخادمة تاركه جنة التي أرادت التجول في تلك الحديقه الجميله المليئه بالإزهار التي تلائم كثيرا تلك الأزهار الجميله المنقوشه علي فستانها الزهري الذي يلتف حول جسدها بنعمومه و خاصة أن وزنها قد زاد بسبب الحمل مما جعلها تبدو أكثر جمالا و أنوثه .
أخذت تتمشي بين الأزهار تشتمها و تتلمسها غافله عن مكان وجودها و كان تفكيرها منصبا علي تلك الجنه المحيطة بها و التي تشبهها كثيرا إلي أن أخرجها من عالمها الجميل صوت لهجة باردة محمله بالحقد
أنتي بقي جنة !
إلتفتت جنة تنظر إلي تلك الفتاة التي كانت ترتدي الأسود الذي يوازي نظراتها الحادة و هي تتقدم تجاهها بخطوات ثقيله عكرت الهواء الصافي حولها و لكنها حاولت التغاضي عن كل شئ و قالت بهدوء
أيوا أنا جنة . أنتي مين
ناظرتها سما پغضب ممزوج بإحتقار و هي تجوب بعيناها جنة من رأسها إلي أخمص قدميها قبل أن تقول بنبرة مسمومه
أنا سما . بنت عم حازم و خطيبته !
برقت عيناها للحظه من كلمتها الأخيرة التي جعلتها ترتد خطوة إلي الخلف و هي تقول بعدم فهم
نعم ! خطيبته !
أجابتها سما بلهجه تقطر حقدا
أيوا خطيبته إلي ډمرتي حياتها . و خطفتي منها حبيبها و كنتي السبب في مۏته ! لا و مكفكيش كل دا دانتي بكل بجاحه جايه ترمي بلاكي علينا و تلبسينا عيل مش ابننا و كل دا عشان إيه! عشان تورثيه!
أخرسي !
جاءت صرخه غاضبه جمدت الفتاة بمكانها و كأن دلوا من الماء المثلج سقط فوق رأسها و لكن كانت مفاجأة جنة أكبر حين رفعت رأسها و رأت......
يتبع ....
الفصل الثامن
أكرهك !
أكره ذلك الشعور باللذة الذي يتملكني حين نتبارز بالحديث و إلقاء الكلمات ! أكره تلك الرجفة التي تنتابني حين تتغزل بي سهوا فتدق طبول الحړب بداخلي رغما عن هدوئي المعتاد ! أكره ذلك الإشتهاء الذي يتملكني حين أكون أمام عيناك فأتمني لو أكون أجمل النساء ! أكره تلك الأبتسامه الساخرة التي ترتسم علي ملامحك ما أن اغضبك فتولد بداخلي عاصفه هوجاء !
أكرهك وأكره نفسي التي تشتهي كل ما سبق و تخطو بي في طريق أعلم بأن نهايته سوداء !
نورهان العشري
بخط واثقه و رأس مرفوع توجهت فرح إلي ذلك المكتب حيث أشارت الخادمه و الفضول ينشب مخالبه بعقلها في السبب عن كونه يريد رؤيتها و خاصة بعد ما حدث
منذ ساعات وجيزة فهي للحق لم تكن تود رؤيته اليوم بأكمله علي الأقل حتي تهدأ قليلا فقد كان ڠضبها لا يزال مشتعل بسبب تلك المقابله السخيفه التي لو تعلم مسبقا بأنها ستصب في بوتقته فلن تذهب إليها أبدا..
عدة طرقات على باب الغرفه كانت لها وقع مختلف على قلبه الذي لأول مرة منذ زمن طويل شعر بنبضاته تزداد في وجودها و إن كان يرجع هذا إلي أنها نوع مختلف من النساء يثير فضوله و يستفز غريزته الرجوليه بعنادها الضاري و صلابتها التي لا تلين فلأول مرة يكن خصمه بتلك الصلابه و كل هذه الفتنه التي جعلته يهرول خلفها صباحا عندما رآها تستقل سيارة أجرة عندما كان عائدا من الخارج و وجد نفسه يذهب خلفها دون أن يعطي لعقله الفرصه